
الصومُ نوعٌ خاص من الحمية الغذائية, يتميَّز عن باقي أنواع الحمية أنَّ اليومَ فيه يُقسَم إلى قسمين .. القسم الأول في النهار ويمتدُّ عادة من 8-15 ساعة يمتنع فيه عن الطعامُ والشراب تماماً, والقسم الثاني في الليل وليس فيه قيودٌ خاصَّة, لكن من المفترض أن يكونَ الأكل فيه باعتدال.
دعونا نناقش حميةَ الصيام، وكيف تكون نافعةً للبدن. ولكن قبلَ الخوضِ في ذلك، لا بدَّ من توضيحِ بعض النقاطِ والمفاهيمِ الضروريَّة لقارئ هذا المبحث.
تمهيد عام
ظلَّ الأطبَّاء القُدامى على مرِّ التاريخ يَرَون الصِّيامَ من أهمِّ المُعالجات المتاحَة لكلِّ فرد؛ ثمَّ لَمَّا جاء الطبُّ الحديث، خفَّ الاهتمام بالصيام، ولم يُدرَج في كتب الطبِّ المعتمدة. لكنَّ أنصارَ الطبِّ البديل في هذا العصر أعادوا بعثَ الصيام من جديد، على طريقتهم في البحث عن وسائل علاجية خارجة عن دائرة الطب المعاصر.
وللأسف، فإنَّ كثيراَ ممَّا كتبه أنصارُ الطبِّ البديل عن الصيام هو كلام نظري مجرَّد، مبنيٌّ في الغالب على تجارب شخصية أو دراسات ضعيفة، ولا تدعمه في الغالب بحوثٌ علمية تجريبية موثَّقة.
ولهذا، فإنَّ من الواجب على أطبَّاء المسلمين المتخصِّصين أن يَدلوا بدَلوِهم في الموضوع وأن يُجروا الأبحاثَ العلمية، ويجمعوا ما قيل عن منافعَ وآثار صحِّية للصوم, ويقوموا بتصنيفها وترتيبها، ثمَّ يعرضونها على البحث العلمي المجرَّد.
اتِّجاهان للتعامل مع الصيام؟!
هناك اتِّجاهان للتعامل مع الصيام، أحدهما الطبُّ البديل الشعبي، والثاني الطبُّ الحديث المعاصر.
فأمَّا المهتمُّون بالطبِّ البديل (الشعبي)، فإنَّهم يرون الصيامَ واحداً من أهمِّ الأساليب العلاجية في الطب, حتَّى كتبوا فيه كتباً ومقالات ومجلات، وأنشأوا له مواقعَ إنترنت وفتحوا عيادات بالكامل تعالِج بالصوم.
وأمَّا الطبُّ الغربي الحديث فإنَّه يقف موقفَ المتحفِّظ، ولا يدرج الصيامَ كوسيلةٍ علاجية معترفاً بها, وإنَّما يَعدُّها أحدَ أنواع العلاج البديل أو الشعبي, تماماً كالإبر الصينية والأعشاب. ولهذا لا تجد في مراجع الطبِّ الحديث المعتمَدة إشارةً إلى الصوم كعلاج لأيِّ مرض من الأمراض . وهذا الأمرُ يبدو مستغرَباً، لكنَّه هو الواقع حالياً.
ونحن هنا لن ننجرفَ وراءَ اندفاع أصحاب الطبِّ البديل، كما لن نتأثَّرَ بتحفُّظ الطبِّ الحديث، ولكن سنَجري مع البحث العلمي والبرهان!
قبل أن نبدأ..
لابدَّ من التأكيد على أنَّ الصومَ عبادةٌ جليلة في أصله، ولم يُشرَع لمنافعه الصحِّية، إنَّما شُرِع لإظهار حالة العبودية لله تعالى، ودعوة الناس للتخفُّف من الدنيا.
كما أنَّه لابدَّ من الإشارة إلى أنَّ شهرَ رمضان لا يشمل الصيامَ فقط، لكنَّه يشمل مع ذلك عدداً أكبر من الصلوات ووقتا أطولَ لقراءة القرآن، وتغييراً في نظام النوم، وربَّما قلَّة في الحركة والنشاط في الصباح. ولكلِّ واحدٍ من هذه العوامل أثرٌ من قريب أو بعيد على الصحَّة.
مَنافعُ الصيام ليست لكلِّ صائم!
ومن أدلَّة ذلك أنَّنا نرى في العيادة أناساً من مرضى الجهاز الهضمي ينفعهم الصيامُ، وآخرين يُؤذيهم أيَّما إيذاء. والحاجةُ ماسَّةٌ لإجراء بحوثٍ علمية تجريبية موسَّعة على كافَّة شرائح الناس.
وتشريعاتُ الإسلام يجب ألاَّ يكونَ فيها ضررٌ في الجملة, نعم قد يكون فيها مجاهدة للنفس, وامتناع عن بعض ما يحبُّ الإنسان, لكن ليس فيها إطلاقاً ما يضرُّه.
في رمضان... ينقص الوزن أم يزيد
أجرى الباحثون المسلمون دراساتٍ عديدةً على الوزن في رمضان، بلغت في الجدول لدينا عشرين دراسة، وأكثر الدراسات (12) أثبتت نقص الوزن في رمضان، لكن بنسب متفاوتة، حيث كانت أقلَّ نسبة هي 100 غرام فقط وأعلاها 3.2 كغ، والمعدَّل الوسطي أقل من 2 كغ. وبعض الدراسات (4) لم يتغيَّر فيها الوزن أساساً.
والسببُ في هذا الاختلاف في النتائج عائدٌ إلى اختلاف الظروف البحثية في الدراسات، وإلى اختلاف عادات الناس الغذائية في رمضان؛ فالبعضُ يستفيد من رمضان، فيقلِّل من الأكل ومن الدهنيات، والبعض يصوم في النهار، لكنَّه يبالغ في الأكل في الليل.
ولو التزم المسلمون بقاعدة (بحسب ابن آدم لُقَيمات ...)! فلا شكَّ أنَّ هذا سيؤدِّي إلى إنقاص أكبر للوزن، بل إلى التخلُّص من السِّمنة ومشاكلها.
دراسات الوزن |
|
الدراسة |
النتيجة |
فيديل Fedail ss 1982 |
نقص الوزن بمعدَّل 1.8 كغ. |
حسين 1987 على 21 شخصاً |
حدث نقصٌ في الوزن، وكان النقص في النساء أكثر من الرجال أكثر من الرجال. |
حلاق 1988
|
على 16 طالباً جامعياً في الكويت, وتناولوا وجبات قليلة السعرات الحرارية: نقص الوزن بشكل ملحوظ. |
شانغ Ch'ng 1989 على 18 صائماً |
11 (61٪) نقص وزنهم، بينما 7 (39٪) لم يتغيَّر وزنهم.
|
التكروري 1409 في الأردن على 137 بالغاً |
انخفض الوزنُ بمعدَّل 2.6 كغ للصائمين من ذوي الوزن الزائد، و 2 كغ للصائمين من ذوي الوزن الطبيعي، و 0.64 كغ للصائمين من ذوي الوزن الأدنى من الطبيعي. |
الصويلح 1992 |
نزل الوزن 1.92كغ, وفقدوا 2.8٪ من الشحوم, ولم ينقص وزن العضلات. |
رمضان 1992 |
في الكويت: نقص الوزن، كما نقص معدَّل الشحوم لكن بنسبة قليلة. |
العاطي 1995 |
الوزن لم يتأثَّر. |
آيباك Aybak 1996 |
في تركيا: لم يتغيَّر معدَّل كتلة الوزن. |
عفيفي 1997 |
التغيُّر في الوزن كان متفاوتاً جداً. |
العدلوني 1997 |
نقص الوزن بمعدل 2.6٪. |
فينش Finch 1998 |
في بريطانيا: لم يتغيَّر الوزن تغيُّراً ذا قيمة. |
مايسلوس Maislos 1998 |
في فلسطين: لم يتغيَّر معدَّل كتلة الوزن. |
كايغولو Kayikcioglu 1999 |
في تركيا، دراسة على 32 صائماً: فقد كلُّ واحد منهم 0.1-1.25 كغ. |
بيرل 2001 |
في فلسطين: نزل الوزن 1.6كغم +- 1.4 |
ديدياي Deadeye 2002 |
في الهند: نتائج عرضية أثناء دراسة ضغط العين لدى 38 صائماً، حيث نقص الوزن بمعدَّل 400 غرام إلى 1.5 كغ. |
أوشي Ohsy 2002 على 18 كورياً |
صاموا صياماً كاملاً لمدة 9 أيَّام (على طريقة الطب البديل). نقص الوزن بمعدل 7.4 كغ للسِّمان و 6.7 لغير السِّمان. |